مأزق القضية الكردية- مبادرة بهتشلي، الدور التركي، ومستقبل أوجلان.

المؤلف: كمال أوزتورك09.25.2025
مأزق القضية الكردية- مبادرة بهتشلي، الدور التركي، ومستقبل أوجلان.

في الفترة التي سبقت الاضطرابات التي عصفت بسوريا، كانت تركيا مسرحًا لنقاشات بالغة الأهمية والدقة، حيث تصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحليفه السياسي دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية، المشهد السياسي.

فاجأ دولت بهتشلي الأوساط السياسية بمبادرة جريئة وغير متوقعة تهدف إلى وضع حد لمعضلة الإرهاب المتأصلة في حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي ظل يشكل تحديًا جسيمًا لتركيا ومصدرًا للقلق طيلة أربعة عقود تقريبًا. تمحور اقتراح بهتشلي حول السماح لعبدالله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني والقابع في السجن المؤبد بجزيرة "إمرالي"، بالخروج من محبسه والتحدث إلى العلن.

وبحسب رؤية بهتشلي، فإن أوجلان، بمجرد إطلاق سراحه، سيعلن حل الحزب وإلقاء السلاح. والأكثر من ذلك، فقد شدد بهتشلي على أن يتم هذا الإعلان أمام الكتلة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي، المعروف بصلاته الوثيقة بحزب العمال الكردستاني.

منذ تلك اللحظة، أضحى هذا المقترح المدهش وما تبعه من مستجدات حديث الساعة في الأوساط التركية. ومع اندلاع لهيب الثورة السورية مرة أخرى، وتصاعد حدة التوتر بشأن تخلي حزب الاتحاد الديمقراطي عن أسلحته في منطقة روجافا الخاضعة لسيطرته، اشتدت وطأة الجدل المحتدم حول مبادرة بهتشلي المثيرة للجدل.

وفي هذا السياق الحساس، التقيت شخصيًا بدولت بهتشلي وتبادلت معه وجهات النظر حول هذه المسائل المعقدة.

نظرة بهتشلي المعمقة للقضية الكردية
يكمن جوهر أهمية تصريحات دولت بهتشلي في كونه شخصية قيادية نافذة في التيار القومي، ويشتهر بمعارضته الشرسة لمساعي إيجاد حل للقضية الكردية على مدى سنوات طويلة. إلا أنه ينتهج الآن موقفًا مختلفًا تمامًا، حيث يدعو إلى لقاء مباشر بين عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، وحزب الشعوب الديمقراطي، يتبعه خروج أوجلان من السجن ودعوته إلى نبذ العنف.

عندما وطأت قدماي مكتبه، استقبلني بترحاب حار وبابتسامة ودودة تعلو وجهه. وعلى الرغم من بلوغه الـ 77 من عمره، بدا ذهنه متوقدًا بالحيوية والنشاط. تحدثت معه بإسهاب عن ملاحظاتي واستنتاجاتي بعد قضاء أسبوع في سوريا عقب الثورة، وعن المشاهدات الميدانية والتوترات المتصاعدة في منطقة روجافا، وعن تأثيراتها المحتملة على تركيا.

وأكدت له أن تهيئة مناخ جديد في تركيا لإيجاد حل جذري للقضية الكردية وإعادة النظر في المستقبل ورؤية التعايش السلمي، سينعكس بشكل إيجابي على أوضاع الأكراد ومستقبلهم في كل من سوريا والعراق.

ومن وجهة نظري، فإن الثورة السورية قد أفرزت واقعًا جيوسياسيًا جديدًا مغايرًا في المنطقة. وفي ظل هذه المستجدات، يبدو استمرار حزب الاتحاد الديمقراطي ككيان مسلح وشبه مستقل في سوريا ضربًا من ضروب المستحيل. وبالمثل، فإن بقاء حزب العمال الكردستاني كتنظيم مسلح في العراق يبدو أمرًا بالغ الصعوبة.

وباعتبار أن تركيا هي اللاعب المحوري في هذا المشهد الجيوسياسي المستجد، فإن "الورقة الكردية" أصبحت في قبضتها. والسؤال المطروح الآن هو: كيف ستوظف تركيا هذه الورقة؟ وما هي الخطوات التي ستتخذها بشأن استمرار وجود التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق؟ الجميع يترقب هذه التحركات باهتمام بالغ.

ومن هنا، تتضح الأهمية المتزايدة للنقاش الذي أثاره بهتشلي، الذي أكد بدوره أنه لا يزال متمسكًا بموقفه الثابت:

"ليخرج أوجلان من السجن ويعلن تراجع حزب العمال الكردستاني عن هدفه المتمثل في إقامة دولة كردية، ويدعو إلى إلقاء السلاح وحل التنظيم. وبعد ذلك، يمكن لحزب الشعوب الديمقراطي أو الأكراد في روجافا التأقلم سياسيًا مع هذا الوضع الجديد."

ماذا ستفعل تركيا بشأن القضية الكردية؟

وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أعلن دعمه لتصريحات دولت بهتشلي، وبدا الانسجام والتوافق بينهما واضحًا بشأن خارطة الطريق، التي كشف عن ملامحها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة تلفزيونية. حيث صرح فيدان قائلًا:

"سيلقي حزب الاتحاد الديمقراطي السلاح. وسيغادر المقاتلون والقيادات العليا في الحزب من غير السوريين الأراضي السورية. ويتعين عليهم الانصياع للنظام السياسي الجديد في سوريا أو سيتم القضاء عليهم."

على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة، الحليف الداعم والمسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، على هذه الخطة، إلا أن الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك دونالد ترامب أقر ضمنيًا بنفوذ تركيا في سوريا ودعم هذا المسار. ومع ذلك، لا يزال البنتاغون يعارض بشدة هذه الخطة، بل عزز من وجوده العسكري في منطقة روجافا.

وفي غضون ذلك، وبعد أن استعاد الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا منطقتي تل رفعت ومنبج من قبضة حزب الاتحاد الديمقراطي، فرضت تركيا حصارًا على منطقة عين العرب (كوباني)، وتستعد لشن عملية عسكرية وشيكة في أي لحظة.

وسط هذه الأجواء المتقلبة، أجرى حزب الشعوب الديمقراطي لقاءً مع عبدالله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني. وأفصح أوجلان من خلالهم عن استعداده لدعم الخطة التي طرحها بهتشلي وأردوغان، بل وإمكانية أن يأخذ بزمام المبادرة. لكنه اشترط أن تكون دعوته للتخلي عن السلاح مقرونة بالإفراج عنه من السجن، دون أن يصدر أي تصريح قاطع بهذا الشأن.

تبذل تركيا قصارى جهدها لاقتناص هذه الفرصة الثمينة وعدم التفريط بها، لكنها لا تزال تواجه صعوبات جمة في التوصل إلى توافق مع الولايات المتحدة. وفي ظل هذا المأزق، يبقى الخيار الأخير المتاح هو شن عملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق كوباني والقامشلي. وقبل الإقدام على هذه الخطوة، قد تسعى تركيا جاهدة لإقناع أوجلان بتوجيه نداء للتخلي عن السلاح سعيًا للحد من المقاومة المحتملة.

لكن يبدو أن أوجلان لن يقدم على هذه الخطوة دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة وإجراء تعديلات دستورية جوهرية.

ويسود الاعتقاد بأن حلم حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في تأسيس دولة كردية مترامية الأطراف تضم أربعة أقاليم لن يتخلى عنه الأكراد بسهولة بمجرد نداء من أوجلان. ويرى غالبية المراقبين أن أي دعوة إلى التخلي عن السلاح لن يكون لها تأثير يذكر دون إحداث تغييرات سياسية ودستورية جذرية.

الانتقال إلى المرحلة الثانية

وصلت القضية الكردية في كل من سوريا وتركيا إلى منعطف حاسم، ودخلت مرحلة جديدة. فقد قدمت تركيا عروضًا مغرية لكل من عبدالله أوجلان، وحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وحزب الشعوب الديمقراطي، مفادها: "تخلوا عن السلاح، وانخرطوا في العمل السياسي المدني السلمي."

وفي الوقت الراهن، تجري التنظيمات المسلحة وحزب الشعوب الديمقراطي نقاشات مستفيضة حول كيفية الرد على هذا العرض السخي.

في تركيا، لا تتجاوز المطالب الكردية إجراء تعديل دستوري يسمح بإدراج اللغة الكردية رسميًا في المناهج التعليمية، وتغيير تعريف المواطنة في الدستور. أما في سوريا، فيطالب الأكراد بمنحهم سلطة ذاتية في منطقة روجافا، لكن الإدارة السورية الجديدة، بدعم قوي من تركيا، ترفض رفضًا قاطعًا أي حديث عن الحكم الذاتي.

في هذه المرحلة المفصلية، من المتوقع على نطاق واسع أن يدعو عبدالله أوجلان التنظيمات الكردية إلى إلقاء السلاح. إلا أنه لا يعرف على وجه اليقين ما هي التعديلات الدستورية التي سيطالب بها أوجلان في المقابل، ولا كيف سيكون رد فعل الدولة التركية تجاه هذه المطالب. ويواجه الرئيس رجب طيب أردوغان موقفًا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر والتحديات.

أعتقد جازمًا أنه بعد تولي دونالد ترامب منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، سيتم التوصل إلى اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بشأن هذا الملف المعقد، وعندها ستنتقل تركيا إلى المرحلة الثانية من هذه العملية الحاسمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة